وقال السدي: أُمرت أن ترضعه بعد ولادها، وتلقيه في اليم (١). والقول الأول أليق بمنظم الآية؛ للفصل بين الإلقاء والإرضاع بالخوف (٢)، وخوفها ما ذكروا أنها خافت أن يسمع الجيران بكاء الصبي (٣).
قوله: ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ قال مقاتل: قالت المرأة: رب إني قد علمت أنك قادر على ما تشاء (٤)، ولكن كيف لي أن ينجو صبي صغير من عمق البحر، وبطون الحيتان؟ فأوحى الله إليها: ﴿وَلَا تَخَافِي﴾ عليه الضيعة فإني أوكل به ملكًا يحفظه في اليم (٥) ﴿وَلَا تَحْزَنِي﴾ لفراقه ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ لتمام رضاعه لتكوني أنت ترضعيه ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ إلى أهل مصر (٦).

(١) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٣٠.
(٢) قال ابن جرير ٢٠/ ٣٠: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر أم موسى أن ترضعه فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليم، وجائز أن تكون خافتهم عليه بعد أشهر من ولادها إياه، وأي ذلك كان فقد فعلت ما أوحى الله إليها فيه، ولا خبر قامت به حجة، ولا فطرة في العقل لبيان أي ذلك كان.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٤٢، عن ابن عباس.
(٤) قدرة الله تعالى إذا ذكرت على أنها صفة فلا تقيد بالمشيئة حتى لا يوهم التقييد اختصاصها بما يشاؤه الله تعالى فقط، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٠] وإذا ذكرت المشيئة لتقرير أمر واقع فلا مانع من تقييدها بالمشيئة؛ لأن الواقع لا يقع إلا بالمشيئة. المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين ١/ ١١٨، باختصار.
(٥) "تفسير مقاتل" ٦٣ ب.
(٦) "تفسير مقاتل" ٦٣ ب. في هذه الآية خبران، وأمران، ونهيان، وبشارتان. "وضح البرهان" ٢/ ١٤٦.


الصفحة التالية
Icon