وقع في يد عدوه الذي فررت به منه، فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله إليها. وهذا أيضًا قول مرضيّ.
وقال أبو عبيدة: ﴿فَارِغًا﴾ من الحزن، لعلمها أنه لم يقتل، ولم يغرق (١).
قال ابن قتيبة: وهذا من أعجب التفسير، كيف يكون فؤادها فارغًا من الحزن في وقتها ذاك، والله تعالى يقول: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون؟ قال: والعرب تقول للجبان، والخائف: فؤاده هواء. لأنه لا يعي عزمًا، ولا صبرًا، وقد خالفه المفسرون إلى الصواب؛ فقالوا: ﴿فَارِغًا﴾ من كل شيء إلا من أمر موسى؛ كأنها لم تهتم بشيء مما يهتم به الحيُّ إلا أمرَ ولدها. انتهى كلامه (٢).
ووجه قول المفسرين ما ذكر؛ وهو: أن قلبها صار فارغًا من الصبر والعزم، وإنما قال المفسرون: إلا (٣) من ذكر موسى، لدلالة باقي الآية عليه؛ وهو قوله -عز وجل-: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: كادت تخبر أن هذا (٤) الذي وجدتموه في التابوت هو ابني.
(٢) "غريب القرآن" ٣٢٨. ويشهد له ما ذكره الفراء بإسناده عن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- أنه قرأ: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ من الفزع. "معاني القرآن" ٢/ ٣٠٣، وذكر هذه القراءة ابن جرير ٢٠/ ٣٧، ورد قول أبي عبيدة بقوله: وهذا لا معنى له؛ لخلافه قول جميع أهل التأويل.
(٣) كلمة: إلا، ساقطة من نسخة: (ب).
(٤) هذا، ساقطة من نسخة: (ب).