وقال الفراء: تحبسانها عن أن تشذ وتذهب، قال: ولا يجوز أن يقال: ذدت الرجل، إذا حبسته، وإنما كان الذياد حبسًا للغنم؛ لأن الغنم إذا أراد شيء منها أن يشذ ويذهب فرددته فذلك: ذود، وهو: الحبس (١). والقول هو الأول؛ لقوله: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا﴾ (٢) قال محمد بن إسحاق: ما شأنكما لا تسقيان (٣).
وقال أبو إسحاق: أي ما أمركما (٤). ومعناه: ما تخطبان، أي: ما تريدان بذودكما غنمكما عن الماء (٥). فلولا أنهما كانتا تحبسان غنمهما عن الماء في وقت السقي ما سألهما موسى عن شأنهما، ألا ترى أن في جوابهما دليلًا على أنه سألهما عن السبب في ترك السقي مع الناس، وهو قوله: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ وقرئ (يَصْدُرَ) (٦) من: صَدَر، وهو

(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٠٥. وقد تعقبه ابن جرير ٢٠/ ٥٥، بأنه قد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أنا عند عُقْر حوضي أذود عنه الناس لأضربهم بعصاي حتى يرفَضَّ" فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الذود في الناس. والحديث أخرجه ابن حبان، كتاب التاريخ، رقم: ٦٤٥٥، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ١٤/ ٣٦٧، وقال المحقق: إسناده صحيح على شرط مسلم، ومعنى يرفض: يسيل. وعُقْر الحوض: موضع الشاربة منه "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير ٣/ ٢٧١.
(٢) وقد سبقه إلى هذا الترجيح ابن جرير ٢٠/ ٥٦، قال: لدلالة قوله: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٥٣ ب. ولم ينسبه.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٩، و"غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٣٢.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٩.
(٦) قرأ أبو عمرو وابن عامر (يَصْدُرَ) بفتح الياء، وضم الدال. وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي (يَصْدُرَ) بضم الياء، وكسر الدال. "السبعة في القراءات" ٤٩٢، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤١٢، و"النشر" ٢/ ٣٤١.


الصفحة التالية
Icon