العرب تخطفنا من أرضنا، يعني: من مكة، فإنما نحن أكلة رأس (١)، والعرب على ديننا، ولا طاقة لنا بهم، فأنزل الله هذه الآية (٢).
وقوله: ﴿نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ قال المبرد: التخطف: الانتزاع بسرعة، كما يتخطف البازي، ولا يكون الخطف إلا بسرعة (٣). وقد مر في في له: ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٠] (٤).
قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ يعني: ذا أمن يأمن فيه الناس. قال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية يغير بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضًا، وأهل مكة آمنون بحرمة الحرم (٥).
وقال قتادة: كان أهل الحرم آمنين، يذهبون حيث شاءوا، فإذا خرج أحدهم قال: أنا من أهل الحرم، لم يَعْرِض له أحد، وكان غيرهم يقتل ويسلب (٦)، كما قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾. قال مقاتل: يقول: هم آمنون في الحرم من القتل والسبي،

(١) أكلة رأس، مثل يضرب لقلة العدد، فكأنهم لو اجتمعوا على أكل رأس لكان كافيًا لهم. "الزاهر في معاني كلمات الناس" ٢/ ١٤، و"مجمع الأمثال" ١/ ٨٤.
(٢) "تفسير مقاتل" ٦٧ ب، وفيه: الحارث بن نوفل بن عبد مناف، وذكر نحوه الزجاج ٤/ ١٥٠، ولم ينسبه. وأخرجه ابن جرير ٢٠/ ٩٤، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٩٥، والنسائي، كتاب التفسير ٢/ ١٤٦ رقم ٤٠٥. وذكره الثعلبي ٨/ ١٤٩ ب. والواحدي "أسباب النزول" ٣٣٨، وفيه: الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف.
(٣) يقال: خَطِفت الشيء، واختطفته: إذا اجتذبته بسرعة. "تهذيب اللغة" ٧/ ٢٤١ (خطف)، ولم يذكر قول المبرد.
(٤) لم أجد في هذا الموضع إلا قوله: ومعنى الآية: يكاد ما في القرآن من الحجج يخطف قلوبهم من شدة إزعاجها إلى النظر في أمر دينهم.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٤٩ ب.
(٦) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٩٢، وابن جرير ٢٠/ ٩٤، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٩٦.


الصفحة التالية
Icon