قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ حين غلبت الروم فارس. وهذا قول الجميع؛ قالوا: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ﴾ أن تغلب ﴿وَمِنْ بَعْدُ﴾ ما غلبت (١). والمعنى: أن غلبة أحدهما الآخر، أيهما كان الغالب والمغلوب فإن ذلك بأمر الله وإرادته وقضائه وقدره، فحين غلبت فارس الروم كان الأمر لله، وحين تغلب الروم فارس يكون الأمر لله.
وذكرنا الكلام في وجه ارتفاع ﴿قَبْلُ﴾ و ﴿بَعْدُ﴾ في أوائل سورة البقرة (٢). وذكر الفراء والزجاج هاهنا كلامًا طويلاً -صلى الله عليه وسلم- في إعراب ﴿قَبْلُ﴾

= سنين نيار بن مُكرَّم، أخرجه عنه الترمذي ٥/ ٣٢١، بسند حسن، قاله الألباني، صحيح سنن الترمذي ٣/ ٨٨. وذكره السيوطي عن ابن شهاب، وقتادة، "الدر المنثور" ٦/ ٤٨١، وأخرج ابن جرير ٢١/ ٢٠، عن ابن مسعود، أنها تسع. فحكاية الإجماع هنا غريبة؛ إذ قد اختلفت أقوال المفسرين في زمن وقوع ظهور الروم على فارس؛ فقيل: يوم بدر، وقيل في صلح الحديبية، وقيل بعد سبع سنين من الأجل، وقيل بعد تسع سنين، والثعلبي لما ذكر القول بأن المدة: سبع سنين، قال بعده: هكذا قول أكثر المفسرين. "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٦٤ ب. فحكاية الإجماع هنا غير مستقيمة. والله أعلم.
(١) أخرجه ابن جرير ٢١/ ٢١، بنحوه عن ابن جريج. و"تفسير مقاتل" ٧٧ أ. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٧٦.
(٢) قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥] ﴿قَبْلُ﴾ يبنى على الضم في هذا الموضع؛ لأنها تضمنت معنيين؛ أحدهما معناها في ذاتها وهو السبق، والآخر معنى ما بعدها؛ لأن التأويل: هذا الذي رزقنا من قبله، فهو وإن لم يضف ففيه معنى الإضافة، فلما أدت عن معنيين قويت فحملت أثقل الحركات وكذلك قوله: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ تأويله من قبل كل شيء وبعده، وهذا مذهب الفراء والمبرد، واختيار ابن الأنباري.
وقد ذكر إعرابهما سيبويه، "الكتاب" ٣/ ٢٨٦، والمبرد، "المقتضب" ٣/ ١٧٤، ١٧٥، والأخفش، "معاني القرآن" ٢/ ٦٥٨.


الصفحة التالية
Icon