﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ [الروم: ٣] كأنه لما قيل لموسى: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] أعلمنا أنه أخذ ما أمر به وتلقاه بالقبول، فالمعنى من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح لموسى على امتثال ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل كقوله. ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٠٦]، وقوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٨] (١).
القول الثاني: قال أبو إسحاق: ويجوز أن تكون الهاء لموسى والكاف محذوف؛ لأن ذكر الكتاب قد جرى (٢) كما جرى ذكر موسى (٣).
قال أبو علي: يجوز أن يكون الضمير لموسى والمفعول به محذوف، كقوله: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] فالدعاء مضاف إلى الفاعل والمفعولون محذوفون، ومثل ذلك في إضافة المصدر إلى الفاعل وحذف المفعول به، قوله: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [غافر: ١٠] فلم يذكر مفعول مقت الله (٤).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الضمير للكتاب في قول الجميع، قالوا: جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل من الضلالة. قال قتادة: وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل، أي هاديًا، وجعلنا من بني إسرائيل أئمة قادة في الخير (٥). ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ يدعون الناس إلى طاعة الله بأمر الله،
(٢) في (ب): (جر).
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٩.
(٤) انظر: "الحجة" ٢/ ٢٩.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١١٢ - ١١٣، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٦، "زاد المسير" ٤/ ٣٤٤.