وهذا ما روى مسروق عن عائشة أن امرأة قالت لها: يا أمه. فقالت: لست لك بأم، وإنما أنا أم رجالكم (١). فبان بهذا أن معنى الأمومة تحريم نكاحهن فقط. وعلى هذا لا يجوز أن يقال لبناتهن أخوات المؤمنين، ولا لأخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين. قال أصحابنا: أزواجه اللاتي توفي عنهن رسول الله في حياته، فمنهم من قال: كانت محرمة بهذه الآية (٢)، ومنهم من قال: لم تكن محرمة؛ لقوله تعالى في آية التخيير: ﴿إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [الأحزاب: ٢٨] الآية، فدلت هذه الآية على أنهن لو اخترن الطلاق وطلقهن حل؛ لأنهن إنما ينلن زينة الحياة الدنيا بأن يتزوجن الأغنياء بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أصحابنا من فضَّل وقال: كل مطلقة كانت ممسوسة لم يحل نكاحها، وإن كانت غير ممسوسة حل نكاحها، يدل عليه ما روي أن الأشعث بن قيس تزوج بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المستعيذة (٣)، وهي التي قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أعوذ بالله منك، لما دخل عليها، فقال: "الحقي بأهلك".
(٢) في (أ) زيادة: (على أنهم لو اخترن)، وهو خطأ.
(٣) لم أستطع الوقوف على اسم المستعيذة بعد طول بحث، وذلك لكثرة ما ورد من روايات وأقوال، حصل في أكثر الروايات التي وردت فيها هذه القصة اضطراب، فقيل: هي الكلبية، وقيل: الجونية، ثم الاختلاف في اسمها واسم أبيها جاء على أكثر من سبعة أقوال. أيضًا قيل: إنها ماتت كمدًا بعد فراق الرسول -صلى الله عليه وسلم- لها، وقيل: بل عاشت وتزوجت، ثم هناك خلاف في من تزوجها وهل تزوجها أو هم ثم لم يفعل، أقوال كثيرة ذكرها ابن حجر في "فتح الباري" ٩/ ٤٤٥ إلى ٤٥٢، وكذا ذكرها القسطلاني في "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري" ١٢/ ١٠ - ١٤.