وآمنوا بالله. وعلى هذا الاستثناء من سبأ، وهم من آمن منهم. ومذهب مجاهد (١) أن الكناية عن الناس كلهم، قال: صدق ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله. وهو ظاهر مذهب المفسرين. قال مقاتل: يعني عباده المخلصين لم يتبعوهم في الشرك (٢)، وهم الذين قال الله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢]
٢١ - وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ﴾ قال أبو إسحاق: المعنى ما امتحنا بإبليس إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة إلا لنعلم ذلك علم وقوعه منهم، وهو الذي يجازون عليه (٣). وشرح ابن قتيبة الآيتين شرحًا شافيًا فقال: إن إبليس لما سأل الله النظرة فأنظره قال: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ﴾ الآية. وقال: ﴿لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ (٤) وليس هو في وقت هذه المقالة مستيقنًا أن ما قرره فيهم يتم، وإنما قاله ظانا، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم، ثم قال: وما كان تسليطنا إياه (٥) إلا لنعلم المؤمنين من الشاكين، يعني: نعلمهم موجودين ظاهرين فيحق القول ويقع الجزاء، فأراد جل وعز: ما سلطناه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمن ظاهرًا، وكفر الكافر ظاهرًا موجودًا كقوله:

(١) انظر: "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٨، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٩٢.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ أ.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٢.
(٤) قال تعالى في سورة النساء: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾.
وقال في سورة الحجر: ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الآية: ٣٩.
(٥) في (ب): (إلا إياه) وهو خطأ.


الصفحة التالية
Icon