أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة: ٨، ٩] (١). وعلى هذا القول الكناية في منهم ومنهم تعود إلى قوله: ﴿مِنْ عِبَادِنَا﴾. والقول هو الأول؛ لأن الله تعالى ذكر الأصناف بعد الاصطفاء؛ ولأنه ختم ذكرهم بقوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾.
ولقد أحسن أبو بكر الوراق كل الإحسان حيث قال: رتب الله هذه الأمة على ثلاث طبقات؛ لأن أحوالهم على ثلاث: معصية ثم توبة ثم قربة، فإذا عصى العبد كان ظالمًا لنفسه، ثم إذا تاب صار مقتصدًا فإذا ثبت على التوبة دخل (٢) في السابقين (٣).
ولهذا المعنى بدأ في ذكرهم بالظالمين (٤). على أن الواو عند أهل التحقيق لا توجب ترتيبًا. وذكرنا معنى المقتصد في اللغة عند قوله: ﴿أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ﴾ [المائدة: ٦٦] وقوله: ﴿سَابِقٌ﴾ أي: سابق إلى الجنة أو إلى

(١) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ١٣٥، "بحر العلوم" ٣/ ٨٦، "القرطبي" ١٤/ ٣٤٦.
(٢) في (ب): (صار من السابقين).
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٢٧ أ، "البغوي" ٣/ ٥٧٢.
(٤) وقد ذكره القرطبي في "تفسيره" ١٤/ ٣٤٩ أوجهًا أخرى في سبب تقديم الظالم على المقتصد والسابق فقال: وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق، فقيل: التقديم في الذكر لا يقتضي تشريفًا، كقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾.
وقيل: قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقين أقل من القليل ذكره الزمخشري ولم يذكر غيره. وقيل: قدم الظالم لتأكيد الرجاء في حقه؛ إذ ليس له شيء يتكل عليه إلا رحمة ربه، وأتكل المقتصد على حسن ظنه والسابق على طاعته.-قلت: وفي هذا القول نظر إذ لن يدخل أحد الجنة بعمله كما جاء عن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- وقيل: قدم الظالم لئلا ييأس من رحمة الله وأخر السابق لئلا يعجب بعمله.
قلت: وقيل غير ذلك، ولا مانع من إرادة الكل والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon