قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: أي ليس كمثله شيء (١).
وقال قتادة: مثله الأعلى أنه: لا إله إلا هو في السموات والأرض (٢). وعلى هذا يكون المثل بمعنى الصفة؛ يعني: وله الصفة العليا وهي أنه: لا إله غيره. وذكرنا قول من أجاز أن يكون المثَل بمعنى: الصفة، عند قوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ في سورة الرعد [: ٣٥] (٣)
وقال قوم: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ يعني: ما ضرب من المثل في الإعادة أهون على المخلوق من الابتداء؛ لأن من قدر على ابتداء شيء كان أحرى أن يقدر على إعادته. وهذا اختيار الفراء والزجاج؛ قال الزجاج: أعلمهم أن يجب عندهم أن يكون البعث أسهل من الابتداء، وجعله مثلًا لهم، ثم قال: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ أي قوله: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ قد ضربه لكم مثلًا

= قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾. والله أعلم.
(١) أخرجه ابن جرير ٢١/ ٣٨، من طريق علي بن أبي طلحة. وذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٦٨ أ.
(٢) أخرجه ابن جرير ٢١/ ٣٨، عن قتادة. و"تفسير مقاتل" ٧٨ ب. بمعناه. واقتصر على هذا القول ابن قتيبة، "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٨٢، ولم ينسبه.
(٣) أطال الواحدي الكلام في تفسير هذه الآية عن وجه ارتفاع: ﴿مَثَلُ﴾ فذكر قول سيبويه والمبرد أنه مرفوع على الابتداء بتقدير: فيما نقص عليكم مثل الجنة، واختار هذا القول الأنباري وأبو علي، ثم قال: وقال قوم: المثل هاهنا: بمعنى الصفة؛ قالوا: ومعناها: صفة الجنة التي وعد المتقون، ونسبه لعمرو بن العلاء، ثم ذكر نقد المبرد وأبي علي لهذا القول، ولم يرجح الواحدي في هذه المسألة. وممن يمنع تفسيره بالصفة سيبويه، "الكتاب" ١/ ١٤٣.


الصفحة التالية
Icon