في موضع أي كان صوابا، ويكون المعنى: ليتهم يعلمون بأي شيء غفر لي ربي (١). فقال الكسائي: لو كانت كذلك لكانت ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ بنقصان الألف كما تقول: سل عم شئت (٢)، وكقوله: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾. قال الفراء: (يجوز أن يكون تمامًا وهو استفهام، وأنشد:

إنا قتلنا بقتلانا سراتكم أهل اللواء ففيم يكثر القتل) (٣)
وذكر أبو إسحاق الوجهين فقال: (أي بمغفرة ربي قال: وقيل: أي ليتهم يعلمون بالعمل والإيمان الذي غفر لي به ربي. قال: وحذف الاَّلف في هذا المعنى أجود) (٤). وهذا قول مقاتل قال: يعني بأي شيء غفر لي ربي، أي: إنما غفر لي باتباعي المرسلين، فلو علموا لآمنوا بالرسل، فنصح لهم في حياته وبعد موته (٥). وروى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال: قال محمد -صلى الله عليه وسلم-: "نصح لقومه حيًّا وميتًا" (٦). وقال قتادة: تمنى الرجل -والله أعلم- أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله، وذلك قوله:
(١) "معاني القرآن" ٢/ ٣٧٤، وانظر: "المصادر السابقة".
(٢) انظر: "المصادر السابقة".
(٣) البيت من البسيط، وهو لكعب بن مالك في "ديوانه" ص ٢٥٥، "خزانة الأدب" ٦/ ١٠٦.
والشاهد فيه: قوله: ففيما، حيث أثبت ألف ما الاستفهامية المتصلة بحرف الجر، وسراة القوم: خيارهم. والقول والقيل واحد. "الخزانة" ٦/ ١٠٧.
وكلام الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٧٥.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٨٣.
(٥) "تفسير مقاتل" ١٠٦/ ب.
(٦) انظر: "ابن كثير" ٣/ ٥٦٨، وقد أورد السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٩٨، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٤/ ٤٥١ غير منسوب لأحد.


الصفحة التالية
Icon