قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ قال صاحب النظم: هذا استفهام، ومعناه: النفي والإنكار على معنى: فلا هادي لمن أضل الله، يدل على ذلك قوله في النَّسَق عليه: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.
٣٠ - قال مقاتل: ثم قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن لم يوحدْ كفارُ مكة ربَّهم فوحدْ أنت ربَّك، وهو قوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ فالمعنى: فأخلص دينك (١). ونحوه قال سعيد بن جبير. وقال غيره: سدد عملك (٢).
والوجه في اللغة: ما يُتوجه إليه، وعملُ الإنسان ودينُه مما يَتوجه إليه الإنسانُ لتسديده وإقامته. وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١١٢] (٣).
قوله: ﴿لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ معناه على التقديم والتأخير، أي: حنيفًا للدين، أي: مائلاً إلى الطاعة، مستقيمًا عليها لا ترجع عنها.
قال أبو إسحاق: والحنيف الذي يميل إلى الشيء فلا يرجع عنه (٤).
قوله: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ قال عكرمة ومجاهد:

(١) "تفسير مقاتل" ٧٩ أ.
(٢) ذكره الماوردي عن الكلبي. "النكت والعيون" ٤/ ٣١١.
(٣) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: معنى قوله: ﴿أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أي: بذل وجهه له في السجود، وعلى هذا أسلم بمعنى: سلم.. قال ابن الأنباري: والمسلم على هذا هو المخلص لله العبادة.. وقال قوم من أهل المعاني: ﴿أَسْلَمَ وَجْهَهُ﴾ أي: أسلم نفسه وجميع بدنه لأمر الله، والعرب تستعمل الوجه وهم يريدون نفس الشيء إلا أنهم يذكرونه باللفظ الأشرف كما قال: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] وقال جماعة: الوجه قد يقع صلة في الكلام؛ فقوله: ﴿أَسْلَمَ وَجْهَهُ﴾ أي: انقاد هو لله. ومثله: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ٢٠].
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨٤، وفيه: كالحَنَف في الرِجل، وهو ميلها إلى خارجها خِلقة، لا يملك الأحنف أن يَرد حَنفه.


الصفحة التالية
Icon