قال: ﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ يقول: فمن أين يبصرون طريق الهدى، ولم أعم عليهم طريق الكفر؟ (١). ونحو هذا قال الكلبي (٢).
القول الثاني: أن معنى الآية لو نشاء لأعميناهم وتركناهم عميًا يترددون، وكيف يبصرون الطريق حينئذ؟ وهذا قول الحسن وقتادة والسدي (٣). وهو الاختيار لأن الله تعالى يهددهم بهذه الآية كالتي بعدها كما قال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٥] يقول: كما أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا أبصارهم الظاهرة. وهذا القول اختيار المبرد والزجاج.
قال المبرد: تأويل الآية قال: راموا الاستباق إلى المنهاج، فمن أين لهم أبصار؟ (٤).
وقال الزجاج: أي لو (٥) نشاء لأعميناهم فعدلوا عن الطريق، فمن أين (٦) يبصرون؟.
وذكرنا معنى الاستباق عند قوله: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ [يوسف: ٢٥]. والاستباق هاهنا معناه غير معنى ما تقدم. قال الأزهري: ﴿فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾ فجازوا الصراط وخلفوه، وهذا الاستباق من واحد والذي في سورة يوسف

(١) "تفسير مقاتل" ١٠٨ أ.
(٢) انظر: "بحر العلوم" ٣/ ١٠٤، ونسبه بعض المفسرين لقتادة القائل. انظر: "البغوي" ٤/ ٣٦، "زاد المسير" ٧/ ٣٢، "القرطبي" ١٥/ ٤٩.
(٣) انظر: "الطبري" ٢٣/ ٢٥، "الماوردي" ٥/ ٢٩، "البغوي" ٤/ ٣٦.
(٤) لم أقف على قول المبرد.
(٥) في (ب): (ولو نشاء).
(٦) في (أ) كرر قول الزجاج ولكنه قال في آخر مرة: فمن أين لهم أبصار، وقال في الأخرى: فمن أين يبصرون. كما أثبته وكما هو في "معاني الزجاج" ٤/ ١٩٣.


الصفحة التالية
Icon