أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل مولود يولد على الفطرة" الحديث (١)، مذهبًا حسنًا؛ وهو أنه قال: الفطرة: الخلقة التي خلقهم عليها، إما الجنة أو النار، حين أخرج من صلب آدم كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة، فقال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء للنار، فيقول: كل مولود يولد على الفطرة، وأبواه يهودانه أو ينصرانه، يقول: بالأبوين يتبين لكم ما تحتاجون إليه في أحكامكم من المواريث وغيرها. يقول: إذا كان الأبوان مؤمنين فاحكموا لولدهما بحكم الإيمان، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما بحكم الكفر، وأما خلقته التي خُلق عليها فلا علم لكم بذلك، وهو قوله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ أي: من الشقاوة والسعادة. والدليل على هذا قوله: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ أي: لا تبديل لما خلقهم له من جنة أو نار (٢).
وقال الأزهري: والقول قول أبي إسحاق (٣) في تفسير الآية، ومعنى الحديث (٤). وعلى هذا القول انتصب: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ﴾ على المصدر. وهو

(١) متفق عليه من حديث أبي هريرة، البخاري، كتاب: الجنائز، رقم (١٣٥٩)، "فتح الباري" ٣/ ٢١٩، ومسلم ٤/ ٢٠٤٧، كتاب: القدر، رقم (٢٦٥٨).
(٢) ذكر قول إسحاق: الأزهري، "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٢٩ (فطر).
(٣) هكذا في النسختين: أبي إسحاق؛ والصواب: إسحاق، كما في "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٢٩.
(٤) الصواب القول الأول الذي عليه المفسرون من الصحابة والتابعين؛ وهو أن الفطرة المراد بها: الإسلام، وقوله: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ أي: لدين الله؛ قال ابن عبد البر: "وقال آخرون: الفطرة هاهنا: الإسلام؛ قالوا: وهو المعروف عند عامة السلف أهل التأويل، وقد أجمعوا في تأويل قوله -عز وجل-: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ على أن قالوا: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ﴾ دين الله الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في هذا الحديث: اقرأوا إن شئتم: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ وذكروا =


الصفحة التالية
Icon