هذا كله كلام أبي علي ذكره في مواضع متفرقة، فرددت كلًا إلى موضعه.
قال أبو إسحاق: وما أعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة وإنما تقصدون بها ما عند الله ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ أي: فأهلها يضاعف لهم الثواب؛ يُعطون بالحسنة عشر أمثالها. وقيل ﴿الْمُضْعِفُونَ﴾ كما يقال رجل مقوٍ؛ أي: صاحب قوة، وموسر، أي: صاحب يسار، وكذلك: مُضعف، ذو أضعاف من الحسنات (١).
قال مقاتل: ثم ذكر ما أصاب الناس من ترك التوحيد في قوله تعالى:
٤١ - ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ يعني: قحط المطر وقلة النبات (٢). قال أبو علي: الفساد جاء في القرآن على ضربين؛ فساد معاقب عليه، وهو كثير (٣). وفساد على غير ذلك؛ بمعنى: الجدْب (٤)، وهو المراد في هذه الآية، وهذا كما قلنا في: الحسنة والسيئة؛ وقد ذكرنا ذلك في قوله: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: ٩٥] (٥).
(٢) "تفسير مقاتل" ٧٩ ب.
(٣) مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١١، ١٢]. وقد ورد الفساد بهذا المعنى في أكثر من خمسة وأربعين موضعًا في القرآن الكريم. انظر الآيات في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ٥١٨ (فسد).
(٤) من أمثلته قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ [البقرة: ٢٥١]، وهو بهذا المعنى قليل لم أجده إلا في أربعة مواضع؛ البقرة: ٢٥١، الأنبياء: ٢٢، المؤمنون: ٧١، وآية الروم هذه. والله أعلم.
(٥) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: "قال أهل اللغة: السيئة كل ما يسوء صاحبه، والحسنة ما يحسن عليه أثره. ثم ذكر قول أبي علي الذي ذكره هنا، ثم قال: والمعنى: أنه تعالى أخبر أنه يأخذ أهل المعاصي بالشدة تارة، وبالرخاء تارة".