وقال الكلبي: هو قراءة الكتاب (١).
قال أبو إسحاق: ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣)﴾ جائز أن يكون الملائكة وغيرهم ممن يتلون ذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- (٢).
قال قتادة: (التاليات ذكرًا) ما يتلى من أي القرآن (٣). وهذا يحمل على تفسير الذكر؛ لأن التاليات لا يكون ما يتلى. وأما هذه الفاءات هاهنا وفي سورة الذاريات والمرسلات. فالفاء في العطف تؤذن أن الثاني بعد الأول بخلاف الواو، فإنه لا يدل على المبدوء به والفاء يدل كقولك: دخلت الكوفة فالبصرة، فالفاء هاهنا تؤذن أن دخول الكوفة كان قبل دخول البصرة (٤)، وفي هذه الآية يدل على أن الله تعالى ذكر القسم أولاً بالصافات ثم بالزاجرات ثم بالتاليات.
وذكر صاحب النظم أن الفاء هاهنا جواب وما قبله سبب له، كما تقول قام فمر، واضطجع فنام، فالقيام سبب للمرور والاضطجاع سبب للنوم. وتأويل الآية: والتي تصف صفًّا فتزجر زجرًا، فالصف سبب الزجر والزجر سبب التلاوة.
قال: ويدل على هذا قوله: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا﴾ [المرسلات: ١ - ٢]، ثم استأنف قسمًا آخر منقطعًا مما قبله غير منسوق عليه بالواو فقال: ﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا﴾ وهذه الواو واو قسم، وعلى ما ذكره يجب أن يكون الصافات والزاجرات والتاليات جنسًا واحدًا وعصبة من الملائكة
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٩٧.
(٣) انظر: "الطبري" ٢٣/ ٣٤، "الماوردي" ٥/ ٣٧، "زاد المسير" ٧/ ٤٥.
(٤) انظر: "الكشاف" ٣/ ٢٩٥.