ولم يذكر بأيش نادوا، والظاهر أنه أراد نادوا بالاستغاثة؛ لأن نداء من نزل به العذاب الاستغاثة، وعلى هذا دل كلام ابن عباس وغيره من المفسرين (١).
وقال آخرون (٢): نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب، وهو معنى قول قتادة (٣).
وقال الكلبي (٤): كانوا إذا قاتلوا فاضطروا، قال بعضهم لبعض: مناص (٥) فلما أتاهم العذاب، قالوا: مناص فقال الله تعالى: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾. وعلى هذا المعنى والتقدير: فنادوا مناص، إلا أنه حذف المنادى، ودل عليه قوله: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ أي: ليس الوقت وقت ما ينادون به، إلا أن هذا القول ضعيف؛ لأن هذا إخبار عن القرون الماضية المهلكة، ويبعد أن يقال: كل القرون كانت عادتهم عند الأضطرار في القتال أن ينادوا مناص. قال صاحب النظم: فنادوا أي: رفعوا أصواتهم، يقال منه: فلان أندى صوتًا من فلان أي: أرفع، ومنه قال الشاعر (٦):

(١) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢١، "الماوردي" ٥/ ٧٧، "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٥٤ ب، "البغوي" ٤/ ٤٧.
(٢) ينسب هذا القول للسدي. انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢١، وذكر النحاس في "معانيه" ٦/ ٧٧ ولم ينسبه.
(٣) انظر: "الطبري" ٢٣/ ١٢١، "ابن كثير" ٤/ ٢٦.
(٤) انظر: "الماوردي" ٥/ ٧٨، "بحر العلوم" ٣/ ١٢٩، "القرطبي" ١٥/ ١٤٥، وأورده البغوي ٤/ ٤٨ عن ابن عباس.
(٥) والمناص هنا المراد به: الفرار، فكأنه ينادي بعضهم بعضًا بالفرار والبحث عن ملجأ.
(٦) هذا البيت من الوافر للأعشى في: "الكتاب" ٣/ ٤٥، "الدر" ٤/ ٨٥ وليس في =


الصفحة التالية
Icon