وسلم بما قطع عذرهم، فقال: وإن كنتم في شك من صدق هذا الكتاب الذي أنزلناه على محمد عليه الصلاة (١) والسلام، وقلتم: لا ندري هل هو من عند الله أم لا، ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾، أي من مثل القرآن (٢). والكناية (٣) في (مثله) تعود إلى (ما) قوله: ﴿مِمَّا نَزَّلْنَا﴾ (٤).
ودليل هذا التأويل قوله: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤]. وقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ (٥)، وقوله: ﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨] كل ذلك يريد به مثل القرآن، ومعناه: فأتوا بسورة مثل ما أتى به محمد في الإعجاز وحسن النظم والإخبار عما كان وما يكون، على جهة الابتداء دون الاحتذاء، وتعلم الكتب ودراسة الأخبار.
و (من) يكون للتبعيض (٦) على هذا القول، لأن التحدي في هذه الآية وقع ببعض القرآن، وهو السورة. ويحتمل أن تكون للتجنيس (٧)، أي: من
(٢) ذكر نحوه "الطبري" عن قتادة ومجاهد، وذكر قولاً آخر، وهو: (من مثله) من مثل محمد من البشر، لأن محمداً بشراً مثلكم، ورجح القول الأول "الطبري" ١/ ١٦٥. وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٦، والثعلبي ١/ ٥٧ أ، وذكر أبو الليث أن الخطاب في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ﴾ لليهود، و (من مثله): من التوراة. (تفسير أبي الليث) ١/ ١٠٢، انظر: "القرطبي" ١/ ٢٠٠.
(٣) في (ب): (فالكناية).
(٤) وعلى القول الثاني: تعود على (عبدنا) ذكره ابن الأنباري في (البيان في غريب إعراب القرآن) ١/ ٦٤. وقال "القرطبي": (وقيل: يعود على التوراة والإنجيل). انظر "القرطبي" ١/ ٢٠٠.
(٥) في (أ) و (ج): ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ تصحيف في الآية. والآية: ٣٨، من سورة يونس.
(٦) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٢.
(٧) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٢، "زاد المسير" ١/ ٥٠، "الدر المصون" ١/ ٢٠٠.