وذلك أن (آمن) أَفْعَل، من (أَمِنَ)، والواحد إذا قال: آمنت بالله. [فإن (آمنت) فعل متعد، ومعناه: آمنت نفسي، أي: جعلتها في أمان الله بتصديقي (١) إياه، لأن الأمن من عذاب الله لا يحصل إلا بتصديقه، فإذا صدقه فقد آمن نفسه (٢)، فصار التصديق إيمانا للعبد، وجاز أن يعبر عن الإيمان بالتصديق، لأن أحدهما سبب للآخر (٣).
و (الباء) في قولك: (آمنت بالله)] (٤) ليست (باء) التعدية، إنما هي (باء) الإلصاق التي يسميها (٥) النحويون (باء) الاستعانة (٦)، كما تقول: قطعت القلم بالسكين.

= كما ذكر: أنك إذا صدقت إنسانا فيما يخبرك به لا تقول: آمنت، وبهذا استدل من قال. إن الإيمان والتصديق ليسا مترادفين على الإطلاق.
قال شارح الطحاوية: (ومما يدل على عدم الترادف، أنه يقال للمُخْبَر إذا صدَّق: صدقه، ولا يقال: آمنه، ولا آمن به، بل يقال: آمن له، كما قال تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦]. ﴿فَمَآءَامَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِيَّهُ مِّن قَومِهِ عَلىَ خَوْفٍ﴾ [يونس: ٨٣]. وقال تعالى: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] ففرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام، فالأول يقال للمُخْبَر به، والثاني للمُخْبِر..) "شرح الطحاوية" ص٣٢١، وانظر: "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٩٠.
(١) في (ب): (تصديقي).
(٢) في (ب). (آمن من نفسه).
(٣) في (ب): (الآخر).
(٤) ما بين المعقوفين مكرر في (ب).
(٥) في (ب): (يسموها).
(٦) سماها شارح الطحاوية باء التعدية، لكن هناك فرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام، فالمعدى بالباء للمخبر به، وباللام للمخبر. انظر: "شرح الطحاوية" ص ٣٢١، "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٨٨.


الصفحة التالية
Icon