كذلك وقع إيمان النفس من العذاب بتصديق الله، وحذف المفعول من قولهم: (آمنت بالله) لدلالة المعنى عليه، كقولهم: حمل فلان على العدو، أي: سلاحه أو نفسه، هذا هو الأصل في الإيمان، ثم جعل الإيمان بمعنى التصديق في قوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ [يوسف: ١٧] أي: بمصدق (١)، ولم يقل: (بنا) لأنه أريد ها هنا التصديق الخالص، لا إيمان بالنفس من العذاب، كما أريد ذلك في قولهم: (آمنت بالله)
وأما الفرق بين الإيمان والإسلام فسنذكره عند قوله: ﴿قُل لم تُؤمِنُواْ وَلَكن قُولُوا أسلمَنَا﴾ (٢) [الحجرات: ١٤] إن شاء الله.
وسمي أحدهما (٣) باسم الآخر (٤) مجازا وتوسعا، كقوله تعالى:

(١) قال الفارسي: (وأما قوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ فليس المعنى على: ما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين عندك؛ لأن الأنبياء لا تكذب الصادقين، ولكن المعنى: ما أنت واثقا، ولا غير خائف الكذب في قولنا... فمؤمن هنا من آمن، أي صار ذا أمن أو صار ذا ثقة...). "الحجة" ١/ ٢٢٦، ٢٢٧، ونحو هذا قال ابن تيمية في الآية، إنها بمعنى:
أي بمقر لنا ومصدق لنا، لأنهم أخبروه عن غائب ). "الإيمان الأوسط" ص ٧١.
(٢) في (ب): ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾.
(٣) أي: الإيمان والإسلام.
(٤) ذكره أبو علىِ الفارسي، انظر: "الحجة" ١/ ٢٢٠. قال ابن كثير -رادا على من قال ذلك- عند تفسير قوله تعالى: ﴿فأَخرَجنا مَن كاَنَ فِيهَا مِنَ المُؤمنِينَ (٣٥) فما وَجدنَا﴾ الآية قال: (احتج بهذِه من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام، لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف، لأن هؤلاء كانوا قوما مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم، ولا ينعكس، فاتفق الإسمان هاهنا لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال)، "ابن كثير" ٤/ ٢٤٩٨. ط. دار الفكر.


الصفحة التالية
Icon