على عبد كان يعمرها بالركع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه فيها دوي كدوي النحل (١)، وهذا قول ثان لأنه لم يخص موضعًا منهما بالبكاء كما خص الأولون.
وذكر أهل المعاني في هذا قولين آخرين أحدهما: أن التقدير: أهل السماء والأرض، فحذف المضاف والمعنى: ما بكت عليهم الملائكة ولا المؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، والثاني: أن العرب تقول في هذا كالرجل العظيم الشأن، أظلمت له الشمس، وكسف القمر لفقده، وبكته الريح والبرق والسماء والأرض، يريدون المبالغة في وصف المصيبة وأنها قد شملت وعمت، وليس ذلك بكذب لأنهم جميعًا متواطئون عليه، والسامع له يعرف مذهب القائل فيه ونيتهم في قولهم: أظلمت الشمس، كادت تظلم، وكذلك في سائر الألفاظ التي يقصدون بها التعظيم والاستقصاء في الصفة. ومعنى الآية: أن الله تعالى حين أهلك فرعون وقومه وأورث منازلهم وجناتهم غيرهم لم يبك عليهم باك ولم يجزع جازع ولم يوجد لهم فَقْد، ولو كانت السماء والأرض ممن تبكي لم تبك على هؤلاء لاستحقاقهم العقوبة والهلاك، والقولان: ذكرهما ابن قتيبة (٢) وغيره.

(١) ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره ٦/ ٢٥٤، والسيوطي في "الدر المنثور"، وعزاه لعبد ابن حميد وأبو الشيخ، انظر: "الدر" ٧/ ٤١٢.
(٢) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ١٢٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٦/ ٤٠٥، و"تفسير الماوردي" ٥/ ٢٥٢، و"زاد المسير" ٧/ ٣٤٥، و"الزاهر" لابن الأنباري ١/ ٢٨٤.


الصفحة التالية
Icon