وقال بعض أهل المعاني: هذا على معنى النقيض، كأنه قيل إنك أنت الذليل المهان (١)، وهذا كما خاطب قوم شعيبًا: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] يعنون السفيه الجاهل، وقد مر، وقرأه العامة (إنك) بكسر الألف على الابتداء، وقرأ الكسائي بالفتح على معنى: ذق بأنك، أي: هذا القول الذي قلته في الدنيا، قاله الفراء وأبو علي (٢)، وعلى هذا الواقع عليه يضمر على تأويل: ذق العذاب، وكذلك هو في قراءة العامة (٣).
وقال صاحب النظم: من فتح الهمزة كان قوله: ﴿ذُقْ﴾ واقعًا على تأويل: ذق، وقال هذا القول وجزاؤه (٤)، وقال مقاتل: فلما ذاق العذاب قال الملك الخازن: إن هذا العذاب ما كنتم به تمترون يعني: تشكون في الدنيا أنه غير كائن والمعنى تكذبون به (٥)، كقوله: ﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ [الزخرف: ٦١] وقد مر قبل.
٥١، ٥٢ - ثم ذكر مستقر المتقين فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الدخان: ٥١] قال ابن عباس: يريد: أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في خلود دائم (٦)، وعلى هذا المعنى: أنهم قد أمنوا الشخوص، وقال مقاتل: أمينٍ

(١) انظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٢٩١.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٣، و"الحجة" لأبي علي ٦/ ١٦٧.
(٣) انظر: كتاب "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص ٥٩٣، والكشف عن وجوه القراءات لمكي ٢/ ٢٦٥٨، و"تحبير التيسير" لابن الجزري ص ١٧٩، و"الدر المصون" ٦/ ١١٨.
(٤) يظهر أن فيه سقطاً ولكن كتاب "نظم القرآن" مفقودًا، ولم أتوصل إلى النص فيما لدي من مراجع.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٢٥.
(٦) لم أقف عليه.


الصفحة التالية
Icon