هذا قولان قال في رواية عطاء: لما نزلت هذه الآية فرح المشركون واليهود والمنافقون فقالوا كيف نتبع نبيًا لا يدري ما يُفعلُ به ولا بنا، فأنزل الله تعالى ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ [الفتح: ١ - ٢] الآيات إلى قوله (١) ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ٥] فبين الله ما يفعل به وبمن اتبعه من المؤمنين، ونسخت هذه الآية، وأرغم الله أنف المنافقين والمشركين واليهود، ورحم النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، وقال قتادة في هذه الآية: نسختها ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ وهذا قول أنس وعكرمة (٢).
وقال في رواية الكلبي: لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصَّها على أصحابه فاستبشروا بذلك ورأوا فيها فرجًا مما هم فيه من أذى المشركين، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا: يا رسول الله ما رأينا الذي قلت ومتى نهاجر (٣) إلى الأرض التي رأيت، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ يعني: لا أدري أخرج إلى الموضع الذي أُرِيتهُ في منامي أم لا، ثم قال لهم: إنما هو شيء أريته في منامي، ما أتبع إلا ما يوحى إلى، يقول: لم يوح إلى ما أخبرتكم، وعلى هذا لا نسخ في الآية، وهذا القول اختيار الفراء (٤) والزجاج (٥).

(١) ذكر الطبري رواية عن ابن عباس نحو هذا المعنى وأخصر منه. انظر: ١٣/ ٧/٢.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٢/ ٧، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ص ٣٥٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٨٥.
(٣) انظر: "تفسير أبي الليث السمرقندي" ٣/ ٢٣٠.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٠ - ٥١.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٣٩، وقال مكي: فأما من قال معناه: وما =


الصفحة التالية
Icon