من عباده جزءًا عدلاً، فحذف أحد المفعولين، وذكر أبو إسحاق في الجزء قولاً آخر فقال: أنشدني بعض أهل العلم بيتًا يدل على [أن] (١) معنى الجزء الإناث، ولا أدري البيت قديمٌ أم مصنوع وهو:

إنْ أَجْزأَتْ حُرَّةٌ يومًا فلاَ عَجَبٌ قَدْ تُجْزِئُ الحُرَّةُ المِذْكَارُ أَحْيَانَا (٢)
أي: إن ولدت أنثى، قال الأزهري: واستدل قائل هذا القول بقوله -عز وجل-: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ [الزخرف: ١٩] قال: وهذا القول ليس بشيء، والجزء بمعنى الإناث غير موجود في كلام العرب، والشعر القديم الصحيح لا يعبأ بالبيت الذي ذكره لأنه مصنوع (٣)، ومعنى الآية: أنهم جعلوا لله من عباده نصيبًا، على معنى أنهم جعلوه نصيب الله من الولد، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، أي: وصفوهم بالأنوثة، وكذبوا في المعنيين جميعًا: في قولهم إنهم بنات الله، وفي أنهم إناث.
قوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ يعني: إن الكافر (لكفور) لجحود لنعم الله (مبين) بيِّن الكفران، والاختيار: القول الأول لقوله:
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) البيت استشهد به ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص ٣٩٦، والماوردي في "تفسيره" ٥/ ٢١٩، وأبو حيان في "البحر" ٨/ ٨، "اللسان" (جزأ) ١/ ٤٧. وقال الزمخشري: ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث وادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث ما هو إلا كذب على العرب ووضح محدث متحول ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه أجزأت المرأة ثم صنعوا بيتاً وبيتاً:
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب
زوجتها من بنات الأوس مجزئة
انظر: "الكشاف" ٣/ ٤١٣.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" بتصرف يسير (جزى) ١١/ ١٤٥.


الصفحة التالية
Icon