والعرب تجمع بين الحرفين إذا اتفق معناهما إذا كان لفظهما مختلف كقوله: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: ٣٠]. و (ما) في هذه الآية بمعنى (الذي) فلا يزاد معها (إن) لا يقال: ما إن قبضت ديناراك، بمعنى الذي قبضت ديناراك، ثم ذكر الله تعالى أنهم أعرضوا عن قبول الحجج والتفكر فيما يدلهم على التوحيد مع ما أعطاهم الله تعالى من الحواس التي بها تدرك الأدلة قال: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً﴾ الآية، وفي هذا تخويف لأهل مكة، وضرب المثل لهم بحالة من قبلهم، فإنهم لما لم يستدلوا على توحيد الله ولم يقبلوا ممن دعاهم إليه لزمتهم الحجة ولم تغن عنهم مدارك الأدلة شيئاً، فأهل مكة إن صنعوا كصنعهم استحقوا مثل عذابهم، ثم زاد في التخويف فقال:
٢٧ - ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى﴾ قال ابن قتيبة: يريد: باليمن والشام (١) ﴿وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ﴾ بيناها ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ لعل أهل القرى ﴿يَرْجِعُونَ﴾، والمراد بالتصريف التقديم؛ لأنه كان قبل الإهلاك، وقال قوم: تقدير الكلام: وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون فلم يرجعوا ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾.
٢٨ - فلم ينصرهم منا ناصر وهو قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ

(١) قول قتيبة هذا غير موجود في تأويل المشكل، وتفسير غريب القرآن، والذي ذكر الطبري، قال كحجر ثمود وأرض سدوم ومأرب ونحوها، انظر: "تفسيره" ١٣/ ٢/ ٢٩. وقال الثعلبي: كحجر ثمود وأرض سدوم ونحوها. انظر "تفسيره" ١٠/ ١١٦ أ.
وقال في "الوسيط": وأراد بالقرى المهلكة باليمن والشام، انظر: ٤/ ١١٤، وقال القرطبي: يريد حجر ثمود وقرى لوط ونحوهما مما كان يجاور بلاد الحجاز، وكانت أخبارهم متواترة عندهم. انظر: "الجامع" ١٦/ ٢٠٩.


الصفحة التالية
Icon