لهم بما يدَّعون، ولكنهم يخرصون في ذلك، وهذا إنكار ورد ولا يحتمل أن يكون ردًا لظاهر قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾، لأن هذا القول حق وإن كان من الكافر؛ لأن الحق حق حيث ما كان، فلا يحتمل أن يكون هذا الإنكار واقعًا إلا على ما أولناه من أن قولهم: لو شاء الرحمن ما عبدنا؛ لأن هذا القول حق أمرنا أن نعبدهم؛ لأن هذا افتراء وكذب منهم على الله، فهذان قولان صحيحان في معنى الآية:
أحدهما: وهو أن قول أبي إسحاق أن قوله: ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ إنكارٌ لما ذكر عنهم من قوله: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾، وقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾.
والثاني: أنهم [أروا] (١) بقولهم: لو شاء الرحمن ما عبدناهم، أنه أمرنا بذلك، وأنه رضي بذلك فقدرنا عليه، فأنكر عليهم، وهذه الآية كقوله: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ في سورة النحل [٣٥].
٢١ - قوله تعالى: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ قالوا كلهم: من قبل القرآن، قال مقاتل: يقول هل أعطيناهم كتابًا من قبل

= الثالث: عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله -عز وجل-.
الرابع: احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدراً، وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلاً كبيرًا فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار. انظر: "تفسير ابن كثير" ٦/ ٢٢٢. وقال شارح الطحاوية: أما أهل السنة فيقولون إن الله وإن كان يريد المعاصي قدراً فهو لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها بل يبغضها ويسخطها ويكرهها وينهى عنها، وهذا قول السلف قاطبة فيقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. انظر: "شرح الطحاوية" ١/ ٧٩.
(١) كذا رسمها، ولعل المراد (أرادوا).


الصفحة التالية
Icon