والصلح من الفتح، واختاره الفراء، وقال: الفتح قد يكون صلحاً (١) فعلى قول هؤلاء معنى هذا الفتح هو صلح الحديبية، ومعنى الفتح في اللغة: فتح المنغلق (٢). والصلح الذي حصل بينه وبين المشركين في ذلك اليوم كان مسدوداً عليه متعذراً حتى فتحه الله ذلك اليوم ويسره، ودخل بعد ذلك ناس كثير في الإسلام حتى قال جابر: ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية (٣)، وقال الشعبي: أصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الوجه ما لم يصب في وجه، بويع بيعة الرضوان، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وظهرت الروم على فارس، وفرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس (٤).
وقال الزهري: ما كان في الإسلام فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام (٥).
وقال الضحاك: فتحنا لك فتحاً بغير قتال، وكان الصلح من الفتح (٦).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: اليهود شمتوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (فتح) ٤/ ٤٥٥، "اللسان" (فتح) ٢/ ٥٣٩.
(٣) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ٧٠ عن جابر، ونسبه القرطبي ١٦/ ٢٦٠ لجابر، ونسبه في "الوسيط" ٤/ ١٣٣ لجابر.
(٤) ذكر ذلك الطبري في "تفسيره" ١٣/ ٧١، الماوردي ٥/ ٣٠٩، البغوي ٧/ ٢٩٦، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤١٨، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٦٠.
(٥) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٩٦، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤١٩، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٦١، والمؤلف في "الوسيط" ٤/ ١٣٣.
(٦) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٩٦ عن الضحاك، وكذلك ذكره القرطبي عن الضحاك ١٦/ ٢٦٠.