وقد كرهتم ذلك، أي: فاكرهوا الغيبة أيضًا، فإنها مثل أكلكم لحوم أخوانكم (١).
وقال مجاهد: لما قيل لهم (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً؟)، قالوا: لا، فقيل: فكرهتموه أي: فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائباً (٢)، وشرح أبو علي الفارسي هذا الوجه فقال: الفاء في قول: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ عطف على المعنى، كأنه لما قيل لهم: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً، قالوا: لا، فقيل لهم لما قالوا لا: فكرهتموه، أي: كرهتم أكل لحمه ميتاً، فكذلك فاكرهوا غيبته (٣).
قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ معطوف على هذا الفعل المقدر، ولا يكون قوله (فكرهتموه) بمعنى فاكرهوه واتقوا الله؛ لأن لفظ الخبر لا يوضع للأمر في كل موضع، ولأن قوله فكرهتموه محمول على المعنى الذي ذكرنا، فمعنى الخبر فيه صحيح (٤).
قال مقاتل: واتقوا الله في الغيبة ﴿إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ علي من تاب ﴿رَحِيمٌ﴾ به (٥).
١٣ - قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ نزلت هذه الآية في الزجر عن التفاخر بالإنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء، وسبب
(٢) أخرج نحوه الطبري ١٣/ ٣٧٣ عن مجاهد، وانظر: "تفسير مجاهد" ص ٦١٢، وأورده البغوي ٧/ ٣٤٦ بهذا النص.
(٣) انظر: "الحجة" لأبي علي ٦/ ٢١٢.
(٤) المصدر السابق.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٩٦.