واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم، والإيمان لا بد أن يكون صاحبه صديقاً؛ لأن قولك: آمنت بكذا، معناه: صدقت به، وقد أخرج الله هؤلاء من الإيمان فقال: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي: لم تصدقوا إني أسلمتم تعوذاً من القتل، والمسلم الذي أظهر الإسلام تعوذاً غير مؤمن في الحقيقة، إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين. انتهى كلامه (١).
ومعنى الإيمان والإِسلام وحقيقتهما في اللغة قد سبق ذكره في سورة البقرة.
قوله: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ قال ابن عباس: تخلصوا الإيمان (٢)، ﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ وقرأ أبو عمرو: (لا يألتكم) من ألت، وهما لغتان (٣)، قال أبو زيد: قالوا: الله السلطان حَقّه يألته ألتًا، مثل: ضربه يضربه ضرباً إذا نقصه، قال: وقوم يقولون: لات يلت، وحكى التوزي (٤):
في ألت آلت يولت إيلاتاً (٥).

(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٣٨.
(٢) ذكر ذلك البغوي ٧/ ٣٥٥ عن ابن عباس، وابن الجوزي ٧/ ٤٧٧ عن ابن عباس، والقرطبي ١٦/ ٣٤٨ من غير نسبة.
(٣) قراءة أبي عمرو: من ألتَ يألِتُ ألتا، مثل: ضرب يضرب ضربًا، وقرأ الباقون: يَلِتكم، من لات يَلِيتُ، إذا نقص، انظر: "الكشف عن وجوه القراءات" لمكي ٢/ ٢٨٤، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٦٧٦.
(٤) هو: عبد الله بن محمد بن هارون التوزي أبو محمد مولى قريش من أكابر أئمة اللغة، قال السيرافي: قرأ على الجرمي "كتاب" سيبويه، وكان أعلم من الرياشي والمازني وأكثرهم رواية، عن أبي عبيدة، وقد قرأ أيضًا على الأصمعي وغيره، صنف كتاب: الخيل والأمثال والأضداد، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. انظر: "بغية الوعاة" للسيوطي ٢/ ٦١، "أخبار النحويين والبصريين" ص ٨٥.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (لات وولت) ١٤/ ٣٢١، "المحتسب" لابن جني ٢/ ٢٩٠، "البحر المحيط" ٨/ ١٠٤ - ١٤٩، "زاد المسير" ٧/ ٤٧٧.


الصفحة التالية
Icon