ومما يدل على أن التأسي يخفف قول الخنساء:

ولولا كَثْرةُ البَاكِينَ حَوْلي على إخْوَانهم لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وما يَبْكُونَ مِثْلَ أخِي ولكِن أعَزّي النَّفْسَ عَنْهُ بالتَّأسِّي (١)
وقال آخر:
وهَوّنَ وَجْدِي عن خَلِيلِي أنني إذا شِئْتُ لاقيت امرأ ما صاحبه (٢)
وذكر أبو علي نحو هذا فقال: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم، وفي هذا حرمان التأسي، وهي نعمة يسلبها الله أهل النار، ليكون أشد لعذابهم، ألا ترى أن التأسي قد يخفف كثيرًا من الحزن عن المتأسي كما جاء:
ولكن أُسَلَّي النفْسَ عنه بالتَّأسَّي (٣)
٤٠ - ثم ذكر الله تعالى أنه لا تنفع الدعوة والوعظ من سبقت له الشقاوة فقال: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ قال ابن عباس: يريد أنهم لا يعقلون ما جئت به ولا يبصرونه، لأن من أعميت قلبه فلا هادي له (٤) ﴿وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ يريد بانت ضلالته بتكذيب الصادق الأمين.
٤١ - قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد: الموت (٥)، قال مقاتل: يعني: فيميتك (٦).
(١) انظر: "ديوانه" ص ٦٢، "معاني القرآن" للنحاس ٦/ ٣٦٢، "وشواهد الكشاف" ٤/ ٦٤، "الدر المصون" ٦/ ٩٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٩١.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) انظر: "الحجة" لأبي علي ٦/ ١٥٥، ١٥٦، "عجز البيت" للخنساء.
(٤) ذكر ذلك في "الوسيط" عن ابن عباس. انظر: ٤/ ٧٣.
(٥) ذكر ذلك السمرقندي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٨، وذكره الشوكاني ٤/ ٥٥٧ ولم ينسبه.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٦.


الصفحة التالية
Icon