وقال أبو إسحاق: قال سيبويه والخليل: عطف ﴿أَنَا﴾ بأم على ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ كأنه قال: أفلا تبصرون أم تبصرون، قال: لأنهم إذا قالوا له: أنت خير منه، فقد صاروا عنده بصراء، فكأنه قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء (١)، وهذا فيه بعض الغموض، ولا يقف عليه إلا من تأمل وتفكر.
وذكر صاحب النظم وجهًا حسنًا وهو: أن يكون تمام الكلام عند قولى: أم، وقوله: (أنا خير) فصل آخر مبتدأ، على تأويل: أفلا تبصرون أم تبصرون، فكيف ذكر (تبصرون) اكتفاء بذكره في قوله: (أفلا تبصرون) كما يقال في الكلام: أتاكل أم لا، فسكت على الاكتفاء بما قبله من ذكر الأكل، وكذلك يكون إذا قدمت النفي فتقول: ألا تأكل أم تأكل، ثم يكف، ذكر تأكل بعد (أم) اكتفاء بذكره في أول الكلام، فكذلك قوله: أفلا تبصرون أم تبصرون، فكف ذكر (تبصرون) عند (أم) لجري ذكره، وهذا معنى قول مجاهد: أم تام يقف، ثم أنا خير أفلا تبصرون أم قد أبصرتم (٢).
وقوله: ﴿أَنَا خَيْرٌ﴾ قال مقاتل: أفضل ﴿مِنْ هَذَا﴾ يعني: موسى ﴿الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾ يعني: ضعيف ذليل (٣)، وقال الكلبي: ضعيف في بدنه (٤)، وقال الليث: رجل مهين صغير ضعيف (٥).
وقال الزجاج: معنى مهين قليل، يقال: شيء مهين أي: قليل، وهو

(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤١٥، "الكتاب" ٣/ ١٧٣، "الجمل في النحو" للخليل ص ٣٢٠، "معاني الحروف" للرماني ص ١٧٣، ١٧٤.
(٢) انظر: "المكتفى في الوقف والابتدا" للداني ص ٥٠٨، "تفسير الطبري" ١٣/ ٨١.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٧.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ص ٤٩٣.
(٥) انظر: "العين" للخليل (مهن) ٤/ ٦١، "تهذيب اللغة" (مهن) ٦/ ٣٢٩.


الصفحة التالية
Icon