الجوع، كالظلمة في أبصارهم حتى كانوا يرون دخانًا، فعلي هذا: الدخان هو الظلمة التي في أبصارهم من شدة الجوع (١).
وذكر ابن قتيبة معنيين آخرين أحدهما: أن الجوع يقال له: دخان، ليُبْس الأرض في سنة الجدب، وانقطاع المطر وارتفاع الغبار فيه، فيشبه ما يرتفع منه بالدخان، ولهذا يقال لسنة المجاعة الغبراء، ومنه جوع أغبر، وهذا معنى قول مجاهد في قوله: ﴿بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ قال: الجدب وإمساك القطر عن كفار قريش (٢). قال: وربما وضعت العرب الدخان موضع الشر إذا علا فيقولون: كان بيننا أمر ارتفع له دخان (٣).
القول الثاني في الدخان: أنه آية من آيات الله مرسلة على عباده قبل مجيء الساعة، فيدخل في أسماع أهل الغي ويعتري أهل الإيمان منه كهيئة الزكام، وهذا قول ابن عباس [والحسين] (٤) وابن عمر وعلي (٥). روى الحارث (٦) عنه أنه قال: الدخان لم يمض بعد يأخذ المؤمنين كهيئة الزكام،
(٢) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٥٩٧.
(٣) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٢، و"مشكل القرآن وغريبه" ٢/ ١٢٥.
(٤) كذا في الأصل وهو تصحيف، والصحيح (الحسن).
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١١٣، وتفسير الثعلبي ١٠/ ٩٤ ب، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٢٩، و"زاد المسير" ٧/ ٣٣٩.
(٦) هو الحارث بن قيس الجعفي الكوفي. روى عن ابن مسعود وعلى وعنه خيثمة ويحيى ابن هانئ قال ابن المديني: قتل مع علي، وقال ابن حبان في الثقات: مات الحارث في ولاية معاوية، وصلى أبو موسى على قبره بعد ما دفن. انظر: "تهذيب التهذيب" ٢/ ١٥٤، و"الإصابة" ١/ ٣٧٠.