قال الفراء: يقول فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم لما صنع بنوح، قال: وفي (لمن) معنى ما، ألا ترى أنك تقول: غرقوا لنوح ولما صنع بنوح (١)، هذا كلامه، والمعنى: فعلنا ذلك ثوابًا لمن كفر به وجحد أمره، وهو نوح -عليه السلام-.
١٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً﴾ ذكر في الضمير في (تركناها) قولان:
أحدهما: أنها للسفينة المذكورة في قوله ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾؛ لأن المراد بها السفينة، وهو قول قتادة، قال: أبقى الله سفينة نوح على الجودي حتى أدركتها أوائل هذه الأمة. (٢)
الثاني: قال أبو إسحاق: المعنى تركنا هذه الفعلة وأمر سفينة نوح آية، أي علامة ليعتبر بها (٣)، يدل على صحة هذا المعنى قوله ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١١، ١٢]، والتذكير يكون بالحمل في الجارية، والمعنى: لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا.
قوله تعالى ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ قال مقاتل: فهل من متذكر يعلم أن ذلك حق فيعتبر ويخاف. (٤)
قال أبو إسحاق: وأصله مُذْتَكِر، ولكن التاء أبدل منها الدال، والذال من موضع التاء، وهي أشبه بالدال من التاء، وأدغمت الذال في الدال (٥). هذا كلامه، وإنما فُعل ذلك؛ لأن التاء مهموس، والدال مجهور، وهي من
(٢) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٥٨.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٨.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٣ أ.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨٨، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ١٨٧، ١٨٨.