قوله: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ إلى قوله: ﴿خَلَقْنَاهُ بِقَدَر﴾ نزلت في القدرية (١)، وذلك أن مشركي قريش جاءوا إلى النبي -صلي الله عليه وسلم - يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآيات (٢)، وهذا قول محمد بن كعب القرظي قال: نزلت تعييرًا لأهل القدر (٣).
وعلى هذا القول المراد بالمجرمين القدرية المشركون وإخوانهم من قدرية هذه الأمة، يكونون في حكمهم. يدل على ذلك ما روى زرارة (٤) أن النبي -صلي الله عليه وسلم- قرأ هذه الآيات وقال: "إنها نزلت في ناس يكونون في آخر أمتي يكذبون بقدر الله" (٥).

(١) سموا بذلك لقولهم في القدر، زعموا أن العبد هو الذي يخلق فعله استقلالًا فأثبنوا خالقًا مع الله، ولذا سماهم النبي -صلي الله عليه وسلم- مجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس قالوا بإثبات خالقين: النور والظلمة، وهم يزعمون أن الله لا يقدر على مقدرات غيره. وهذا هو مذهب المعتزلة في القدر. انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني ١/ ٥٤، و"البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان" ص ٢٦.
(٢) رواه مسلم في كتاب القدر، باب: كل شيء بقدر، وأحمد في "مسنده" ٢/ ٤٤٤، والترمذي في كتاب التفسير، تفسير سورة القمر، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والثعلبي في "تفسيره" ١٢/ ٢٩ ب، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٢٥.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٦٥.
(٤) في (ك): (زراة) وهو زرارة بن أوفى العامري، أبو حاجب، قاضي البصرة، ثقة، عابد، قرأ في الصبح ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ فخر ميتًا سنة (٩٣ هـ). انظر: "طبقات ابن سعد" ٧/ ١٥، و"أخبار القضاة" ١/ ٢٩٢، و"تاريخ البخاري" ٣/ ٤٣٨، و"صفة الصفوة" ٣/ ٢٣، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ٥١٥.
(٥) رواه ابن أبي حاتم، والطبراني. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه. "مجمع الزوائد" ٧/ ١١١.
وانظر: "أسباب النزول" للواحدي ص ٤٦٤، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٦٧.


الصفحة التالية
Icon