وشرح ابن قتيبة هذه الجملة شرحًا شافيًا فقال: إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه وذكّر عباده آلاءه، ونبههم على قدرته ولطفه بخلقه، ثم أتبع ذكر كل خلة وصفها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين ليفهمهم النعم، ويقررهم بها، وهذا كقولك لرجل أحسنت إليه دهرك وتابعت عليه الأيادي وهو في ذلك ينكرك ويكفرك: ألم أبوئك منزلًا وأنت طريد أتنكر هذا؟ ألم أحجج بك وأنت صرورة؟ ألم أحملك وأنت راجل؟ أفتنكر هذا (١)؟
وقال صاحب النظم: إن من عادة العرب الإيجاز والاختصار في بعض الأماكن والإشباع والتوكيد في بعض، والتكرير والإعادة إذا أرادوا الإبلاغ بحسب العناية بالأمر كما قال الحارث بن عباد (٢):

قربا مربط النعامة مني لقحت حرب وائل من حيال
وكرر ذكر قول (قربا مربط النعامة) في رؤوس أبيات كثيرة عناية بالأمر، وإرادة للإبلاغ في التثنية والتحذير وكذلك الجعفي (٣) في قصيدته التي يقول فيها:
وكتيبة لبستها بكتيبة حتى تقول نساؤهم هذا فتى
(١) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٣٥ ب، ٣٤ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٦، و"فتح القدير" ٥/ ١٣٣، والصرورة الذي لم يحج.
(٢) الحارث بن عباد البكري، كان من حكام ربيعة وفرسانها المعدودين، ولد له عقب. توفي سنة ٥٥ م. انظر: "الشعر والشعراء" ص ٢٦٢، و"الكامل" ٢/ ٢٣١، و"الأغاني" ٥/ ٤، و"الخزانة" ١/ ٢٢٥، و"الأعلام" ٢/ ١٥٦، والبيت ورد في "الحيوان" ١/ ٢٢، و"أمالي ابن الشجري" ٢/ ٢٧، و"المنصف" ٣/ ٥٩.
(٣) مرثد بن أبي حمران الجعفي، ولكنى أبا حمران. شاعر جاهلي. انظر: "الاشتقاق" ص ٢٤٣، و"المؤتلف" ص ٤٧، البيت ورد في "الأصمعيات" ص ١٤٢، ولفظه: وكتيبة وجهتها لكتبه حتى نقول سرائهم هذا الفتى.


الصفحة التالية
Icon