فكرر هذه الكلمة في رؤوس أبيات منها، لأنه ذهب مذهب الحارث ابن عباد في العناية والتأكيد، وقال غيرهما:
كم نعمة كانت لكم... كم كم وكم (١)
فكرر كم في بيت واحد أربع مرات تأكيدًا لفرط العناية بهذه الكلمة، فكذلك قوله -عز وجل- ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)﴾، وقوله في ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (٢)، وقوله ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ (٣) جاء هذا كله في التكرير والإعادة في الإبلاغ والتوكيد؛ لأنها كلها تحرير وتذكير وتنبيه (٤).
١٤ - قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ تقدم تفسيره في سورة الحجر (٥).
قال أبو إسحاق: اختلفت الألفاظ فيما بدأ منه خلق آدم فقيل في موضع: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩]، وفي آخر ﴿مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ [الصافات: ١١]، وفي آخر ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٦]، وفي آخر من صلصال، وهذه الألفاظ راجعة في المعنى إلى أصل واحد، وهو التراب الذي هو أصل الطين، أعلم الله -عز وجل- أنه خلق آدم من تراب جعل طينًا، ثم
(٢) [القمر: ١٧، ٢٢، ٣٢، ٤٠، ٥١].
(٣) [المرسلات: ١٥، ١٩، ٢٤، ٢٨، ٣٤، ٣٧، ٤٠، ٤٥، ٤٧، ٤٩].
(٤) قلت: كلام الجرجاني هذا توضيح وبيان لما قاله أهل المعاني، وشرحه ابن قتيبة. وانظر: "روح المعاني" ٢٧/ ٩٧.
(٥) عند تفسيره الآية (٢٦) من سورة الحجر. والصلصال من الطين ما لم يجعل خزفاً، سمي به لتصلصله. والصلصال الطين اليابس الذي لم تصبه النار، فإذا مسته النار فهو حينئذٍ فخار. "اللسان" ٢/ ٤٦٧ (صلل).