هاهنا (١) واحد والمراد به الجمع كقوله ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: ٦٧] وإن شئت قلت: إن ما يحدثه الله تعالى كل يوم في خلقه شأن واحد، ولا تنافي بين هذه الآية وبين ما في الأخبار من سبق القضاء بالأمور، وذلك أن القضاء قد سبق قبل خلق الأجسام، والذي يحدثه الله كل يوم هو إيجاد ما سبق به القضاء، وهذا معنى ما قال الحسين بن الفضل: هو سوق المقادير إلى المواقيت (٢).
ولما ذكر أنه كل يوم هو في شأن ذكر فراغه من ذلك بمعنى تركه فعله فقال:
٣١ - ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾ قال أبو عبيدة: سنحاسبكم، سنجمعكم ولم يشغله شيء تبارك وتعالى (٣)، فذكر أبو عبيدة في تفسير الفراغ المحاسبة والجمع؛ لأن المعنى سنترك ذلك الشأن إلى هذا، وإنما حسن لفظ الفراغ لسبق ذكر الشأن، هذا وجه في معنى الفراغ في صفة الله تعالى، وهذا معنى قول الكلبي: سنحاسبكم (٤).
قال الفراء: وهذا من الله وعيد؛ لأنه لا يشغله شيء عن شيء، وأنت قائل للرجل الذي لا شغل له: قد فرغت لي، قد فرغت لشتمي، أي: أخذت فيه وأقبلت عليه، هذا كلامه (٥)، ومعناه أنه وعيد بالمحاسبة
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٣٩ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٧٦، ونسبه للكلبي.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤٤، وفيه (سنحاسبكم، لم يشغله) ولم يذكر الجمع.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣١٧.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١١٦.