إذا ما الغانيات برزن يومًا وزججن الحواجب والعيونا (١)
والعين لا تزجج إنما تكحل، فردها على الحواجب لأن المعنى يعرف، قال: وكان ينبغي لمن رفع -لأنهن لا يطاف بهن- أن يرفع ﴿فَاكِهَةٍ﴾ ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ﴾. لأن الفاكهة واللحوم لا يطاف بها وفي ذلك بيان أن الخفض وجه الكلام (٢)، يعني أن الحور أَتبع في الخفض اللحم والفاكهة، فلما خفضا كذلك خفض الحور، وبين الزجاج هذا الوجه فقال: وحور مخفوض على غير ما ذهب إليه من ظن أن معنى الخفض فيه أنه يطاف به ولا يطاف بالحور، ولكن معنى ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ﴾ ينعمون بها، وكذلك ينعمون بلحم طير وينعمون بحور عين (٣). وهذا معنى قول الفراء وإن لم يحسن في آخره ما حسن في أوله يعني لا يحسن الطوف في الحور كما حسن في الكأس، ولكن يعطف عليه في الظاهر؛ لأن المعنى يعرف كما عطف الشاعر العيون على الحواجب وأراد وكحلن العيون كذلك هاهنا يراد ويكرمون، أو وينعمون بفاكهة ولحم طير وحور عين.
(١) البيت للراعي النميري، انظر: "ديوانه" ص ١٥٠، و"الخصائص" ٢/ ٤٣٢، و"شرح شواهد المغني" ٢/ ٧٧٥، و"الدرر اللوامع" ١/ ١٩١، و"الإنصاف" ص ٦١٠، و"الخزانة" ٩/ ١٤١.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٢٣ - ١٢٤.
قلت: قوله: (لأن الفاكهة واللحوم لا يطاف بها) تعقبه النحاس بقوله: (وهذا الاحتجاج لا ندري كيف هو إذ كان القراء قد أجمعوا على القراءة بالخفض في قوله جل وعز ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ فمن أين له أنه لا يطاف بهذه الأشياء التي ادعى أنه لا يطاف بها؟ وإنما يسلم في هذا لحجة قاطعة، أو خبر يجب التسليم به. "إعراب القرآن" ٣/ ٣٢٤ - ٣٢٥.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١١١.


الصفحة التالية
Icon