﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ (١) فذكر العمل الصالح بعد الإيمان كذلك هاهنا ذكر القرض الحسن بعد التصديق على هذه القراءة لا يحمل قوله: وأقرضوا على الاعتراض ولكنه عطف على المعنى، ألا ترى أن المصدقين معناه الذين صدقوا فكأنه قال: إن الذين صدقوا وأقرضوا ويجوز هذا الوجه في القراءة الأولى (٢)، على معنى إن الذين تصدقوا وأقرضوا الله قرضا حسنًا، وذكرنا تفسير القرض الحسن في هذه السورة.
وذكر أبو علي في المسائل الحلبية في قوله: ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ﴾ أوجهًا، واختار الاعتراض فقال: حمله على الاعتراض أرجح الوجوه عندي؛ لأن الاعتراض قد شاع في كلامهم وكثر، ولم يجر ذلك عندهم فجرى مجرى الفصل بين المتصلين بما هو أجنبي؛ لأن فيه تبييناً فأشبه بذلك الصفة والتأكيد (٣).
١٩ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ في تفسير هذه الآية طريقان: أحدهما: أن الآية عامة في كل من آمن بالله ورسله وهو مذهب مجاهد، وقال: كل من آمن بالله ورسوله فهو صديق، ثم قرأ هذه الآية (٤)، ويدل على هذا ما روي عن ابن عباس في قوله: ﴿هُمُ
(٢) من قوله: (قوله تعالى {وَأَقْرَضُوا﴾ وهذا الفصل) إلى هنا من كلام أبي علي الفارسي بتصرف من المؤلف. انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
(٣) انظر: "المسائل الحلبيات" ص ١٤٣.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٣٣، و"معالم التزيل" ٤/ ٢٩٨، و"زاد المسير" ٨/ ١٧.