والذي يوجب نفي الأسى والفرح من هذا أن الإنسان إذا علم أن ما قضي عليه من مفرح (١) أو محزن سيصيبه لا محالة قَلَّ فرحه وحزنه لاستشعاره العلم بذلك قبل وقوعه.
قوله تعالى: ﴿مَا آتَاكُمْ﴾ قراءة العامة بالمد من الإيتاء، وقرأ أبو عمرو مقصورًا من الإتيان (٢) عادل به ﴿فَاتَكُمْ﴾ فكما أن الفعل للفائت في قوله: ﴿فَاتَكُمْ﴾ كذلك يكون الفعل الذي في قوله: ﴿مَا آتَاكُمْ﴾ والعائد إلى الموصول من الكلمتين الذكر المرفوع بأنه فاعل، ووجه قراءة العامة أن الخير الذي يأتيهم هو مما يعطيه الله فإذا قد كان ذلك منسوبًا إلى الله وهو المعطي لذلك، ويكون فاعل الفعل في (آتاكم) ضميرًا عائدًا إلى اسم الله، والهاء محذوفة من الصلة تقديره: بما آتاكموه (٣).
قال المبرد: المعنى في قوله: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ أي لا يكون منكم في هذا ولا في هذا ما يجاوز مقدار ما ينبغي فيه (٤).
وشرحه الزجاج فقال: معناه: لا تحزنوا حزنًا يطغيكم حتى يخرجكم إلى أن تلزموا أنفسكم الهلكة، ولا تعتدوا بثواب ما تسلبونه وما فاتكم،
(٢) قرأ الجمهور ﴿آتَاكُمْ﴾ بالمد، وقرأ أبو عمرو ﴿أَتَاكُمْ﴾ انظر: "النشر" ٢/ ٣٨٤، و"الإتحاف" ص ٤١١.
(٣) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٧٥ - ٢٧٦، و"حجة القراءات" ص ١٠٧ - ٢٠٧.
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٢٩/ ٢٣٩، والظاهر أن الرازي رحمه الله خلط بين كلام المبرد وكلام الزجاج حيث ذكر ما شرح به الزجاج كلام المبرد ونسبه للمبرد، والصواب ما ذكره المؤلف هنا.