إلا وقد حرمت عليّ، فقالت: والله ما ذكرت طلاقًا، ثم أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: أوس بن الصامت أبو ولدي، وابن عمي، وأحب الناس إليّ، ظاهر مني، والله ما ذكر طلاقًا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أراك إلا قد حرمتِ عليه"، فأعادت عليه وقالت: والله يا رسول الله ما ذكر طلاقًا، أشكو إليك وحشتي وفراق زوجي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حرمتِ عليه". فهتفت، وشكت، وبكت، وجعلت تراجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فبينا هي في ذلك إذ تربد (١) وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للوحي ونزل عليه قوله: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾، قالت عائشة رضي الله عنها: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إنيّ لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تحاور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات (٢).
قوله تعالى: ﴿قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ أي: تجادلك في قول زوجها وكلامه، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما قال لها: "حرمتِ عليه"؛ قالت: والله ما ذكر طلاقًا، فكان هذا مجادلتها النبي -صلى الله عليه وسلم- في زوجها.
قوله تعالى: ﴿وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ يعني قولها: أشكو إلى الله فاقتي
(٢) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٦/ ٤١٠، وابن ماجه في "سننه" المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية (١١٨)، والحاكم ٢/ ٤١١، وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٧١، وذكره الوادعي في "الصحيح المسند من أسباب النزول" ص ١٤٩، قلت: المؤلف كما هي عادته -رحمه الله - يذكر الأحاديث والأقوال بالمعنى، ولهذا قل أن تجد حديثًا أو قولاً يخرج عن هذا، والله أعلم.