قوله تعالى: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾. قال أبو إسحاق: المعنى: ما اللواتي يجعلن من الزوجات كالأمهات بأمهات (١). وقراءة العامة: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ بكسر التاء، وهي في موضع نصب على خبر ما، المعني: ليس هن بأمهاتهم، فلما ألقيت الباء نصبت، وهي لغة الحجاز كقوله: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ [يوسف: ٣١]، قال الفراء: أهل نجد إذا ألقوا الباء رفعوا فقالوا: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ وأنشد:

ويزعم حسل أنه فرع قومه وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل (٢)
وبهذه اللغة قرأ المفضل بن عاصم فرفع الأمهات (٣)، وهو لغة تميم. قال سيبويه: وهو أقيس الوجهين، وذلك أن النفي كالاستفهام، فكما لا يغير الاستفهام الكلام عما كان عليه في الواجب، فكذلك ينبغي أن لا يغيره النفي عما كان عليه في الواجب، وأما النصب فهو لغة أهل الحجاز، والأخذ بلغتهم في التنزيل أولى (٤)، ووجهه أن (ما) يدخل على الابتداء والخبر كما أن (ليس) تدخل عليهما، و (ما) تنفي ما في الحال كما أن (ليس) تنفي ما في الحال، وقد رأيت الشبهين إذا قاما في شيء من شيء
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٣٤.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٣٩، و"الإنصاف في مسائل الخلاف" ٢/ ٦٩٤، ولم أجد البيت منسوبًا لقائل، والشاهد في قوله:
وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل
فإنه أهمل (ما)، فلم يرفع بها الاسم وينصب الخبر على لغة تميم.
(٣) انظر: "الكشاف" ٤/ ٧١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٧٩، و"البحر المحيط" ٨/ ٢٣٢، وذكر أبو زرعة وجه قراءة الرفع دون ذكر خلاف في القراءة. انظر: "حجة القراءات": ٣٧٠.
(٤) انظر: "الكتاب" ١/ ٢٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٧٩.


الصفحة التالية
Icon