قال المقاتلان: فلما نزلت الآيات علي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى زوجها أوس بن الصامت فقال: "أعندك تحرير رقبة؟ " قال: لا أجد يا رسول الله. قال: "أفتطيق صوم شهرين متتابعين؟ " قال: يا رسول الله إني إذا لم آكل كل دوم ثلاث مرات كلّ بصري -وكان يشتكي بصره- فقال: "أعندك طعام ستين مسكينا؟ " قال: لا يا نبي الله إلا بصلة منك وعون، فأعانه النبي عليه السلام بخمسة عشر صاعًا (١). وجاءا بمثلها من قبلهم، فذلك ثلاثون صاعًا لستين لكل مسكين نصف صاع.
وقال عكرمة: لما نزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه الآيات، قال للمرأة التي أتته: "ابشري فقد أنزل الله فيك وفيه، مريه فليعتق رقبة". قالت: أنّى يا رسول الله، وما يخدمني غيره، ولا يخدمه غيري. قال: "فليصم شهرين متتابعين". قالت: أنى ولولا أنه يأكل في اليوم كذا وكذا لذهب بصره. قال: "مريه فليطعم ستين مسكينًا". قالت: أنى يا رسول الله وإنما هي وجبة. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مريه فليأت فلانة فليأخذ شطر وسيق فليتصدق به". قالت: فلما رآني أوس مقبلة قال: ما وراءك؟ قلت: خير وأنت ذميم، قد أمرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تأتي فلانة فتأخذ منها شطر وسق فتصدف به (٢). قالت: فانطلق من عندي وعهدي به لا يحمل خمسة أصوع فأتى بشطر وسق يحمله على ظهره حتى طرحه.
(٢) أخرجه ابن جرير مختصرًا عن ابن عباس من طريق عكرمة، وأخرجه البغوي عن عطاء بألفاظ متقاربة، واين سعد عن عمران عن أنس. انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٣، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٠٦، و"الدر" ٦/ ١٨١.