وقوله: ﴿إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ أي: إلا هو عالم به، وعلمه معهم لا يخفى عليه ذلك كما قال: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [التوبة: ٧٨]، وكقوله: ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ (١) والمعنى: أن نجواهم معلومة عنده، كما تكون معلومة عند الرابع الذي يكون معهم.
٨ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى﴾ قال المفسرون: إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم، ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم فيحزنون لذلك، فلما طال ذلك وكثر، شكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ولم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله هذه الآية (٢).
قوله تعالى: ﴿وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الإثم والعدوان مخالفتهم الرسول في النهي عن النجوى، فلما عادوا إلى ما نهاهم عنه لزمهم الإثم والعدوان وصاروا آثمين ظالمين.
والثاني: أن الإثم والعدوان ذلك السر الذي يجري بينهم، لأنه إما مكر وكيد بالمسلمين، أو شيء يسؤهم فهو إثم وعدوان (٣).

(١) من آية (٧) من سورة طه. قال ابن كثير -رحمه الله-؛ (ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى، ولا شك في إرادة ذلك، ولكن سمعه أيضًا مع علمه محيط بهم، وبصره نافد فيهم، فهو -عَزَّ وَجَلَّ- مطلع على خلقه لا يغيب عنه من أمورهم شيء)، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٢٢.
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٧٨ ب، عن ابن عباس، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٤٧٤ عن ابن عباس، و"الجامع" ١٧/ ٢٩١.
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٢٩/ ٢٦٦.


الصفحة التالية
Icon