واحتج قوم من الأصوليين بهذه الآية على جواز النسخ قبل الفعل (١)، ولأصحابنا فيه قولان، والصحيح أنه يجوز، ومن احتج بهذه الآية ضعف ما روي أن عليًا عمل بهذا الحكم قبل النسخ، واحتج بقوله: ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ قال: وهذا دليل أن أحدًا منهم لم يتصدق بشيء (٢).
١٤ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ قال المفسرون: يعني المنافقين، تولوا اليهود ونقلوا إليهم أسرار المسلمين. واليهود هم المذكورون بالغضب عليهم في مواضع من القرآن.
قوله: ﴿مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ﴾ أي: ليسوا مؤمنين فليسوا منكم في الدين والولاية، ولا من اليهود، كما قال تعالى: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٤٣] الآية.
قوله تعالى: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الله بن نبتل المنافق: "على ماذا تشتمني أنت وأصحابك؟ " فجاء بهم فحلفوا أنهم لم يفعلوا -ولم يوالوا اليهود- وأنهم له ناصحون، فذلك قوله: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (٣) أنهم كذبة.
١٦ - قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ يعني أيمانهم الكاذبة جنة يستخفون بها من القتل ﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: فصدوا المؤمنين بأيمانهم عن
(٢) انظر: "نواسخ القرآن" لمكي بن أبي طالب ص ٣٢٥.
(٣) قال السدي، ومقاتل: وهو معنى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
انظر: "تفسير مقاتل" ١٤٦ أ، و"جامع البيان" ٢٨/ ١٧، و"الكشف والبيان" ١٣/ ٨٣ أ، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٤٧٦.