بَيْنَكُمْ} [الأنعام: ٥٤] في قراءة من نصب، ومن لم يسند الفعل إلى الله وقرأه على غير تسمية الفاعل فقوله: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ يجوز أن يكون ظرفاً كما ذكرنا.
قال أبو علي: وكان أبو الحسن يذهب في هذا النحو إلى أن الظرف أقيم مقام الفاعل، وترك على الفتح الذي كان يجري عليه في الكلام يجريه في أكثر الكلام منصوباً، فاللفظ على هذا القول مفتوح، والموضع رفع كما كان اللفظ في قوله: ﴿كَفَى بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٥٢] وما جائني من رجل، مجرورًا، والموضع موضع رفع (١).
قال ابن عباس في هذه الآية: لا يجمع بين كافر ومؤمن (٢).
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يعني بما عمل حاطب من مكاتبة أهل مكة، (بصير) حين أخبر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بذلك (٣).
٤ - ثم ضرب لهم إبراهيم -صلى الله عليه- مثلاً حين تبرأ من قومه ونابذهم وباغضهم وهو قوله: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ والأسوة: ما يؤتسى (٤) به مثل القدوة، والقدوة لما يقتدى به. ويقال: ائتسِ به، أي: اقتد به، وكن مثله. ويقال هو أسوتك، أي: أنت مثله وهو مثلك، وتجمع الأسوة والإسوة أسي. فالأسوة اسم لكل ما يقتدى به. ومن يقتدى به أسوة أيضًا. يقال: فلان أسوة في هذا الأمر. وقدوة: أي يؤتسى (٥) ويقتدى به
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٥١، ولفظه (يفرق بينكم وبين المؤمنين يوم القيامة).
(٣) رواه عبد بن حميد، عن مجاهد. "الدر" ٦/ ٢٠٥.
(٤) في (ك): (يأتس).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ١٣/ ١٣٩ (أسى)، و"اللسان" ١/ ٦٣ (أسا)، و"المفردات" ص ١٨ (أسا).