وقال الزجاج: معناه: فاقصدوا، وليس معناه العدو (١)، وهذا معنى قول الحسن. قال: والله ما هو سعي على الأقدام، ولكنه سعي بالقلوب، وسي بالنية، وسعي بالرغبة (٢)، ونحو هذا، قال قتادة: السعي أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المشي إليها (٣).
وحمل قوم السعي هاهنا على العمل، قال محمد بن كعب: السعي العمل (٤) وهو مذهب مالك والشافعي، قال مالك: السعي في كتاب الله العمل والفعل، واحتج بقوله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٠٥]، وقوله: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤] قال: فليس السعي الذي ذكر الله في كتابه بالسعي على الأقدام ولا بالاشتداد وإنما ذلك الفعل والعمل.
أخبرنا أحمد بن الحسن الحرشي (٥)، حدثنا محمد بن يعقوب (٦) أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: السعي في هذا الموضع هو العمل، وتلا قوله: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩]. ويكون

(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٧١.
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢١ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٤١، و"الدر" ٦/ ٢١٩.
(٣) أخرجه عبد بن حميد، والبيهقي في شعب الإيمان. "الدر" ٦/ ٢١٩، وانظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢١ ب.
(٤) انظر: "الدر" ٦/ ٢١٩، ونسب تخريجه لابن المنذر وابن أبي شيبة. انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة.
(٥) هو أحمد بن الحسن الحرشي. كان رئيسًا محتشمًا. انتهى إليه علم الإسناد، فروى عن أبي الميداني، والأصم وطبقتهما، ولي قضاء نيسابور، وقد صم بآخره، حتى بقي إلا يسمع شيئًا، ووافق شيخه الأصم في الأصول والحديث. توفي سنة (٤٢١ هـ) وله ست وتسعون سنة. انطر: "شذرات الذهب" ٣/ ٢١٧، و"الكامل في التاريح" ٧/ ٣٥٢، و"العبر" ٢/ ٢٤٣.
(٦) هو أبو العباس الأصم.


الصفحة التالية
Icon