وهذا من كلام العرب المستقيم أن يذكروا الشيئين اللذين يرجعان إلى معنى مما يطلب فيهما فيردوا الخبر إلى أحدهما استغناء واختصارًا، كقوله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾ [البقرة: ٤٥]، ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا﴾ [التوبة: ٣٤]. ونحو هذا قال الفراء، وزاد فقال: وأجود من (١) ذلك أن تجعل الراجع من الذكر للآخر من الاسمين وإنما اختير هاهنا الرجوع إلى التجارة لأنها كانت أهم إليهم، وهم بها أسر منهم بضرب الطبل، لأن الطبل إنما دل عليها، فالمعنى كله لها (٢).
قوله تعالى: ﴿وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾ أجمعوا على أن هذا القيام كان في الخطبة، وهذا دليل على أن من (٣) أجاز القعود في الخطبة للجمعة.
قال جابر بن سمرة: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب إلا وهو قائم فمن حدثك أنه خطب وهو جالس فكذبه (٤)، وسئل عبد الله: أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائمًا أو قاعدًا؟ فقرأ (وتركوك قائمًا) (٥)، ولذلك سئل ابن سيرين، وعلقمة، فقرأ هذه الآية (٦).

(١) (من) ساقطة من (ك).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٥٧.
(٣) لعل الصواب: (وهذا دليل على من) بدون (أن).
(٤) أخرجه مسلم في كتاب: الجمعة، باب: ذكر الخطبتين قبل الصلاة، وما فيهما من الجلسة، وأبو داود في باب: الخطبة قائمًا، من كتاب: الصلاة، وأحمد في "المسند" ٥/ ٨٧، والنسائي في باب: السكوت في القعدة بين الخطبتين، كتاب: الجمعة.
(٥) أخرجه ابن مردويه، وابن أبي شيبة، انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة، وابن ماجه، والطبراني. "الدر" ٦/ ٢٢١، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٣/ ١٢٧ ب.
(٦) انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة، عن ابن سيرين. "الدر" ٦/ ٢٢٢، وذكره البغوي فقال: (وقال علقمة: سئل عبد الله بن عمر..)، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٤٦.


الصفحة التالية
Icon