وروى أبو بكر ابن عيالش الكلبي (١) قال: كره أن ينشر في الناس. يعني ذكر الخلافة. وروى عن الكلبي بخلاف هذا قال: عرفها بعض حديثها لعائشة من شأن أبي بكر وعمر، ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ وهو تحريم الجارية؛ لأنه لم يبال ما أظهرت من ذلك. يعني أنه -صلى الله عليه وسلم- أنكر عليها إفشاء الخلافة وأعرض عن إفشاء التحريم لقلة مبالاته بذلك (٢).
وقرئ (عرَفَ) مخففًا (٣)، ومعناه جازى عليه، ولا يجوز أن يكون (عرف) من العلم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أظهره الله على ما كانت أفشته علم جميع ذلك، ولم يجز أن يعلم من ذلك مع إظهار الله إياه بعضه، ولكن يعلم جميعه، فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه علمت أنه بمعنى المجازاة،

(١) كذا في في (ك): وصوابها (عن الكلبي) ولم أجد هذه الرواية.
(٢) انظر: "زاد المسير" ٨/ ٣٠٩، و"الكشاف" ٤/ ١١٥، من طريق أبي صالح عن ابن عباس. والقولان في "تفسير ابن عباس" ٦/ ٩٧.
قال ابن حجر: قوله: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً لقوله: بل شربت عسلًا) هذا القدر بقية الحديث.. وكأن المعنى: وأما المراد بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ فهو لأجل قوله: (بل شربت عسلًا)، والنكتة فيه أن هذه الآية داخلة في الآيات الماضية، لأنها قبل قوله: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾.
قلت: وما ذكر من أمر الخلافة لا وجه له إذ يستبعد جمع أمر خاص به -صلى الله عليه وسلم- مع خلافة المسلمين العامة، ثم ما الذي منع عائشة وحفصة -رضي الله عنهما- من ذكر هذا الأمر بعد موته -صلى الله عليه وسلم- وما حصل أو كاد أن يحصل بين المهاجرين والأنصار، وهل كان الصديق أو الفاروق يحرص على تولي أمر المسلمين، وهل كانت عائشة أو حفصة كذلك، وعائشة هي التي كانت تشير عليه -صلى الله عليه وسلم- بأمر عمر بالصلاة دون أبيها، لو كانت علمت ذلك من قبل هل كانت ستشير بهذا؟
(٣) قرأ الكسائي ﴿عَرَّفَ﴾ بتخفيف الراء، وقرأ الباقون بتشديدها.
انظر: "حجة القراءات" ص ٧١٣، و"النشر" ٢/ ٣٨٨، و"الإتحاف" ص ٤١٩.


الصفحة التالية
Icon