٤ - ثم خاطب عائشة وحفصة فقال قوله: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ أي من التعاون على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإيذاء: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ قال المفسرون: عدلت ومالت (١) عن الحق، وهما أنهما أحبا ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- من اجتناب جاريته فلذلك صغو قلبيهما (٢)، وجواب الشرط محذوف للعلم به على تقدير: كان خيرًا لكما (٣).
والمراد بالجمع في قوله: ﴿قُلُوبُكُمَا﴾ التثنية. قال الفراء: وإنما اختير الجمع على التثنية؛ لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين اثنين في الإنسان، كاليدين والرجلين والعينين، فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى الاثنين مذهب الاثنين (٤). وقد ذكرنا شرح هذا عند قوله: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، وتفسير الصغو قد تقدم أيضًا عند قوله: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ﴾ (٥) [الأنعام: ١١٣].

(١) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٠٢، و"مجاز القرآن" ٢/ ٢٦١، و"جامع البيان" ٢٨/ ١٠٤.
(٢) في (س): (قلبهما) وهو قول ابن زيد. انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ١٠٤، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٤٨ ب.
قال الألوسي: وإنما لم يفسروا: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ بمالت إلى الواجب، أو الحق، أو الخير، حتى يصح جعله جوابًا من غير احتياج إلى نحو ما تقدم؛ لأن صيغة الماضي، وقد، وقراءة ابن مسعود: (فقد زاغت قلوبكما) وتكثير المعنى مع تقليل اللفظ تقتضي ما سلف. انظر: "روح المعاني" ٢٨/ ١٥٢.
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ١٨٩.
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٤٤.
(٥) والصغا: ميل في الحنك أو إحدى الشفتين، وأصغيت الإناء إذا أملته. انظر: "تهذيب اللغة" ٨/ ١٥٩، و"اللسان" ٢/ ٤٤٥ (صغا).


الصفحة التالية
Icon